3ـ قبل الموجة التالية: (رعاة عند الرمل)

  


\\

إشاراتٌ 

قبل الموجة التالية.

**


تيهٌ فيه تيه.  

جرحى يتّكئون على جرحى.

لا رؤوسَ في رؤوس، 

يبتنون على رمل لا على صخر،   

فرادى وحوافر.   

ينظرون إلى العامِّ مِنْ خلالِ الخاصّ، 

ويرجعون إلى الوراء 

وفيهم غبطة تثيرُ الذعرَ. 

  

قصصٌ عن عاقبةِ عملِ اللئيم.  

قصصٌ عن عاقبةِ الكذِب،  

عن ويلِ المصلوب، عن ويلِ الذي يُحرَّق،   

عن فضائل الحبّ.   

ومثلما الدخول هو أوّل القصّة 

الخروجُ خاتمتها. 

 

الدخولُ بالملايين والخروجُ بالملايين.   

الدخول أوّلُ الأثر والخروج إمّحاء الأثر. 

 

عواء، ثغاء، بكاء، 

زفير وشهيق.    

أفراحُ منتصِر وأتراحُ منكسِر.   

مطمئنّ، عارفٌ قلقٌ. 

بين فكّي كمّاشةِ "بين".   

أممٌ  تنهض وأمم لا تريد أن تنهض.   

صروحٌ خاوية وزهراتٌ تجروء.  

موانع  في النفوس وفي النصوص 

لا عدّ ولا حصر لها. 

  

نظراتٌ  على ما يأبه به نظر،  

نظراتٌ  على ما لا يأبه به نظر،  

على ما اختبأ دون نظر، 

على أَبعاد النظر في الدين، 

على أَبعاد النظر في القاصي والداني، 

في ما ينزف مِنْ جراح ثخينة.   

نظراتٌ على ما يبقى وعلى ما يتبخّر،    

على مَنْ يريد أن يرحلَ ومَنْ يطلب أن يمكث،  

على مَنْ ينتبه ومَنْ لا يريد أن ينتبه. 

   

يكون مُغْفَلاً ويكون مُعلَناً، 

يكون متجذِّراً ويكون مُشظّى،  

كلمة مواسية ورِفقة سهلة.   

في بطن "في". 


كلّما ضاقت أمكنة 

كلّما اتّسعت صحراء. 


قيودٌ  

على السعادة التي تُقرَض؟، 

على الفَرَح الذي يُقرَض؟.   


تتقيّد 

مِنْ تلقاء ذاتك؟. 

  

العدمُ  

في بالِه حياةٌ صعبة. 

 

يرى النِعَم والنِقم، 

الحقولَ، القرى، المصانع، المدن، 

الذين يلتئمون والذين لا  يلتئمون، 

الذين يتدافعون تدافع ذوات الحوافر 

أو يقعدون قعود موتى،  

من يعبدون الوحوش،  

وكلّ بلد فيه ما يكفي من الوحوش، 

من يزّينون بالوحوش 

ويجلدون بسياطِ وحوش. 

ليسوا قلّة الذين يتصدّون للوحوش. 

   

تتقيّد 

مِنْ تلقاء ذاتك 

عندما يجب أن تتنفّس ملء رئتيك؟. 

*

   

ظنَّ ماءً، ظنَّ بلبلاً مغرِّداً، 

ظنّ خنجراً، ظنّ قرنَ ثور، 

وظنّ مطراً شفيفاً. 

    

يخرجُ المارد مِنَ القمقم 

ويقول أنا سمكة ويصير سمكة.   

أنا سمكة سردين، أنا سمكة سرغوس، 

سمكة غمبار، سمكة ترخون، 

سمكة مسقار، سمكة قرش، حوت،

ويصير كلّ ما يقول..   

"أنا أسدُ البحر" ويصير أسدَ البحر، 

"أنا سلحفاة" ويصير سلحفاة، 

"أنا سلطعون" ويصير سلطعوناً، 

يتكتّف ويقول: "أنا ضفدع" ويصير  ضفدعاً،  

أنا فأر، أنا جرذ، أنا ثعلب، أنا ذئب، أنا ثور.  

وكلّ ما يقول ينقلب إليه، 

ولم يغادر شيئاً إلاّ وانقلبَ إليه. 

 

فتح غربتَهُ 

ودخلَ عتمته. 

**  


يسقي يدَه 

مرّةً قمحاً ومرّةً فولاذاً. 


يحوكُ منزلاً، يحوك أحلاماً. 

حركةً دائبة، خليّةَ نمل أو نحل. 


يتماوج في الماء جراداً زاحفاً،  

طرقاً ضيّقة وطرقاً فسيحة،   

طرقاً لم تطأها قدم،  

من يأبه ومَنْ لا يأبه ومن لا يريد أن يأبه.   

مدناً ليس فيها مدن.  


المحلُّ محلُّه 

والمحلُّ يُسلخ منه. 

 

يفرّ عوماً، زحفاً، مشياً، طيراناً.  

يُعبِّر ولا يعبّر، يُدبِّر ولا يدبّر، يعتبر ولا يعتبر، 

في هاوية، في لا قرار هاوية. 

كلّ خطّة لغة وكلّ لغة خطّة. 

المتعادِلان يمضيان متعاكسين 

وأي خلل بسبب من جهالة: قياساتٌ ستسقط. 

 

بدأوا بتحريف أقواله  

عوض أن يعلنوا عن هزيمتهم.   

صفةُ الحيّة: السمُّ  وصفة الأسد: الناب. 

الوردة صفتها اللون والعطر. 

الصحراء صفتها الشمس اللاهبة. 

القمر صفته الرقّة والعطف.  

جنونُ البقر أين يلتقي وأين يفترق 

مع إنفلوانزا الطيور وإنفلوانزا الخنازير؟. 

يكون الحديثُ على وجه التقريب 

في المسائل التي لم يُبَتّ بها بالبرهان.  

عبثُ النيازك إقرار بالفوضى.  

يحاول جادّاً ومِنْ دون جدوى.  


أوحى، رافعاً سيفه، 

أنّه متحدِّر من نسلِ الإله. 

قال إنّه سيطلق سراح المُحتجَز  

شريطة أن يرسم له شجرة العائلة. 

تمّ تعليق صورَة شجرة العائلة في عموم الدوائر الرسميّة. 

أوحى بالسيف للإعلاميين أن يسألوا المكتشِف 

عن معجزة إكتشافه وعن سهرِ الليالي مع خزائن الكتب 

والمراجع النفيسة والمخطوطات القيّمة 

للقطع في صحّة النسب. 

وبعد فترة من هذه الهمروجة التي ملأتِ الدنيا وشغلتِ الناس 

عُثِر على المكتشِف مغدوراً به.  

وقيل غُدِر به لئلاّ ينقلب على ما اكتشفه،  

وقيل غُدِر به لأنّه كاد يكتشف 

أنَّ سليلَ الإله هو الإله ذاته. 

أخيراً أوحى بالسيف 

لكي يودّعوا بالزغاريد إبنهم الشهيد.  

*


صيّادُ سمك ولا ماء،  

يجذب القصبة ولا قصبة، 

يفكّ السمكة مِنَ الصنّارة ولا سمكة،  

يضعها دامعاً في السلّة ولا سلّة.

** 


أمكنة كلّها أمكنة. 

ألوانٌ راسخة وألوانٌ نازحة. 

أسماكٌ تتخطّفُها بعنفٍ ومرحٍ أسماكٌ أكبر. 

أطلعَ ذاتَه عن حالِ الطقس.  

 

عقارب على المدخل، 

على الحيطان، في السقف. 

عقارب تملأُ الأشجار كأنّها ثمار. 

طابورٌ بعدَ طابور يقفز إلى النهر مثل غزلان 

تقفز طلباً للضفّةِ الثانيةِ بخوفٍ وأمل. 

طابورٌ بعدَ طابور يقفز في الهواء ويتلاشى.


ليس لنا وجه زرافة.  

المصابيح حكماء مستنيرون.

 

اقتَحَموا قريةً آمنة، 

أضرَموا فيها النيران،  

مَن فرّ أعدَموه بالرصاص،  

ومَنْ لم يفرّ مات إختناقاً أو إحتراقاً. 


غرائزٌ، أحقاد، إحتكارات، إحتقارات.  

يوزِّع النظرَ في القريب وفي البعيد.  

ما استجدّ، ما اختبرَ، ما انقضى، 

ما لم يسعَ، ما كسَرَ الخاطر، ما غشّ وما أحزن. 

ما يُرى  وما لا يرى بالعين المجرّدة.   

يرى الهباء ويرى البهاء.   

فيه مِنْ كلّ ناحية والكثير منه مصطَنع.  

لأنّه يذهب إلى الأبعد.  

يرى الطبقات الدنيا 

ويرى الساهرات على الحياة. 

يوزّع النظرَ في داخلِه بتصميمٍ، بجرأةٍ، بحقٍّ وعاطفة. 

أفسحَ لزهرِ الرمّان، لزهرِ المشمش، لخريرِ الجداول، 

للخطوات الأولى وللوقت المناسب.  

الوقت المناسب صناعة عالية. 

الذهاب صناعة والإياب رؤية.

*

 

روحُ الصعتَر في الجبال الشامخة.  

ينحدر منها ويصعد إليها جيلٌ بعدَ جيل.   

روحُ اللّوز الأخضر،  روحُ الدفلى بقلبٍ قلِق.   

روحُ الإجاصِ الفكِه، روحُ الخسّ برجُه برج الدلو.  

لسانُ الطيورِ المغرِّدة وسقسقة الجداول.  

روح الملح، عمله أن يمتزج بالجميع  ويمتزج الجميع به.   

روح الأرض المحروثة، روح الأرض التي تضيء بالأخضر. 

روحُ العمل له عطر صمغ المشمش.   


قال صيّادُ سمك،  

مؤكّداً براءته من مشاكل بدأتْ بينه وبين تمساح،  

إنّ التمساح سرق منه سمكة. 


يخرج البحرُ مِنَ البحر ليعيش في بحر آخر. 

البحر يعيش في البحر ويخرجُ ليستلقي على الشاطئ.   

يخرجُ البحرُ زاحفاً، دابّاً، على قدمين، وطائراً.   

مساحات يستردّها البحرُ الذي يعبر. 


مَنْ يقول ماءً، مَنْ يقول بنفسجاً،  

مَنْ يقول الوراء ومَنْ يقول الأمام. 


أمكنة ليس فيها أمكنة . 

أمكنة كلّها أمكنة ولا تقدّم مكاناً.  

دخلوا إلى دواخلهم ليخرجوا على دواخلهم.  

النسيان له محلّ آخر ممكن وضروريّ.  

*


لمّا لا مَنْ يفهم ولا مَنْ يريد أن يفهم 

انفجرَ بركانٌ قهراً وشالقَ بالصخورِ والنيران 

وأحرقَ غابات لم تنطفئ إلاّ بعدما ذاته همَدَ  

وهطلَ المطرُ الغزيرُ وجرتِ السيولُ 

وجرفتْ بطريقها إلى البحر كلّ ما لم ينهض على الصخر. 

قام البحر وقعد  لأنّ عاصفة هاربة مِنْ وجه العدالة عبرتْ مجاله.  

بركانٌ لم يتعكّر مزاجه منذُ قديمٍ الزمان نفث دخاناً إنذاراً.   

وفرَّ الجرذُ إلى جحره، والنملُ إلى وكْره، والنحلُ إلى خليّته، 

والطيرُ إلى عشّه، والسبعُ إلى غابته. 

هبّتِ الريحُ ونتّفتْ جنوناً أوراقَ الشجر. 

احتشدتْ غيومٌ متّشحة بالسواد. 

أيقنَ الطالب أنّه المطلوب. 

وثبَ اللئيم على الغشيم، 

وفي التكّة أبرقتِ السماءُ وأرعدت.  

ذُعِرَ الغشيم  وطيّر صخرةٌ كانت ثابتة في الأرض واصطدمتْ باللئيم. 

ومثلما في السماء مثلما في الأرض.  


في المرآةِ  مَنْ لا يريد أن يرى.  

من ينتبه، ومن لا يريد أن ينتبه.  

شهيق وزفير وزفيرٌ وشهيق.   

أسد، نمِر، فهد، ذئب،  وعلٌ، 

غزال، كنغر، كوالا، كاكوبارا، غالا، 

نسِرٌ، أفعى ورماد.   


انتشلتُه مِنْ غرق وانتشلني من غرق. 

مرّات أقول:  الناحية هي هذه ولا ناحية غيرها.  

لا تعجبه نبرتي 

ويقول نكايةً: "بل الناحية هي تلك"، 

ويشير إلى الجهةِ المعاكسة. 


ليس بالضرورة أن يكون للفعل ردّ فعل كمّاً ونوعاً؟. 

وأسرِعتُ إليه وأسرِع إليّ.  

والتحمنا  بالسلاح الأبيض.  

جنَحَ ميزانُ الحقّ صوبي وجنحَ ميزانُ الحقّ صوبه  

بحسب مَنْ يكون المنتصِر.  

ومرّات  أنا أريد أن أستأثر 

وهو لا خيار له  سوى أن أن يقف ندّاً لي. 

وأسرعتُ إليه وأسرِع إليّ. 

تطاحنّا  لأني لا أريد أن أسمعه ولا هو يريد أن يسمعني، 

أو لأنّي لا أريد أن أراه ولا  هو يريد أن يراني. 


غرامٌ بالظلام وحياةٌ أو موت.  

الظالمُ المظلوم والمظلومُ الظالم.   

القاتلُ المقتول والمقتولُ القاتل.  


طار اللئيم في السماء بسرعة نيزك 

واخترقَ الغيومَ وبلغَ نقطةً لم يكن له أن يتجاوزَها. 

أَهرَعتِ الجاذبيّةُ وأمسكتْه. 

أَرجَعَتْهُ إلى الأرض محدِثَاً حفرة 

استقرّ فيها هامداً حتى أدركتْه رحمة. 

فتحَ عينيه على ما تمنّى لو مات ولا فتحهما ورأى. 

كان الغشيم عند رأسِه 

يزفر ويشهق مصدِراً صوتاً ولا أنكر 

ويُلاكم الهواء كأنّه الأبجر حصان الفارس عنتر   

أو الأخرج حصان الزير سالم.   

وكأنّه رفّاص مضغوط وارتفع عنه الضغط، 

أو كأنّه عصفور في قفص وعثرَ على منفَذ، 

أو كأنّه صاروخ جاهز للإنطلاق، 

هكذا قفزَ أو فرَّ أو طار. 

 

العالي والمنخفض، 

الصاعد والهابط، الصالح والطالح، 

الشجاع والجبان، الحكيم والجاهل، 

المتأمِّل والمتألِّم، الحي والميت.  

أوّلُ الصدى وآخرُ الصدى. 

ما تصدُّه وما يصدُّك، ما تخذله وما يخذلك.  

ما تشاء وما ستشاء.  

مَنْ سرق وادّعى أنّه سُرِق.  

من شرّد شعباً لينهب وطناً. 

من هو روح المودّة التي هي الدفء.  

من يتطلّع إلى الأجمل.    

من إذا خيَّرتَه يجرح ذاته ولا يجرح غيره.   


رأيتُه برعماً، رأيته جملَ محامل، 

رأيته أسدَ غضب، حصانَ عزّ، زرافةَ إلفة، 

بسخاء سماء رحيمة، 

برشاقة غزال، بجرأة صقرِ الأفاعي، 

بعيني بحّار في ليلِ الليل ويرى وميضَ المنارة، 

أنشطَ مِنَ النمل أو النحل، 

مطراً شفيفاً، مرجاً فسيحاً، سهلَ قمح، 

زاجلاً يرى إلى سربِ الحمام عائداً مِنْ سَفر، 

عينُه فيها عين فيها عين.  

رأيتُه يركض خلفَ الخِراف كالطفل، 

يعدُّ النجومَ كالطفل، 

بعيني زهرِة عبّاد الشمس وزهرةِ الصبّار، 

بشدوِ بلبل، بعينيِّ الربيع الرائق، 

بعينيِّ الصيف الدافئ، بعينيِّ الخريف التائه، 

بعينيِّ الشتاء الدامع. 

رأيتُه نيراناً منتقمة، 

جرذاً يفرّ من مركب يغرق، 

بعتمة ضبع، بتكشيرة ذئب، بأنانيّة فهد، 

بجديّة عقرب، بخديعة سراب، 

بعينيّ فلاّح يرى إلى حقلِه الأخضر يمحق به الجراد، 

بدهاء حيّة، طيراً مهاجراً، عاصفةً تنتّف أوراق الشجر، 

بعينَي مَنْ يرى إلى عينَي مختلّ تريان إليه، 

منشاراً يعمل نشراً بغابة.   

رأيتُه يطرقُ الحديد، يعمل منجلاً أو سيفاً، 

أقسى مِنَ الحجارة وأجهل مِنَ الرمل، 

كائناً بلا إسم بعدُ. 

رأيتُه لا يكلّ ولا يملّ، 

نجمَ هداية ينفجر، يتلاشى 

وكأن لم يكن.

** 


تقدّمَ، تأخّرَ، 

أوقدَ، أبدعَ، قلّدَ، قعدَ، 

أظلمَ، نهبَ، التأمَ، كافحَ، 

سامحَ، عمّرَ، 

انقطعَ، زرعَ وحصَد. 


المُقبِل، المُدبِر، المُحبّ، الكارِه، 

المُستأمِن، المُحارِب، المُفسِح، المُضيِّق، 

المُرشِد، المُضلّ، المُعِزّ، المُحبِط، المُؤيِّد، 

المُنَدِّد، المُهلِك، المُسعِد، المحزِن، 

المُدني، المُقصي، المُصلح، المُفسِد، 

المُخصِب، المُمحِل،  المؤنِس، الموحِش، 

المُكرِم، المُذِلّ، المؤمِّل، الموافِق، 

المُعاكِس، المشاكس، 

المُنكِر، المُنذِر والمؤسِف.  


مسافات آهلة بالصمت، 

رعاة عند الرمل، ونمل.     


2010 

Shawkimoselmani1957@gmail.com