لا برج واحداً للفضيلة



_ 1 _ 


سأتحدّثُ غاضباً مع قلبي 

إنّني من طلاوةٍ تلهو بها الريح.   

 

_ 2 _ 

الرجل الحكيم يؤسّسُ على الصخر 

الأحمقُ النهريّ أنا، ولا تبقى مياهي تحت سماء. 

 

_ 3 _ 

أنزلقُ من دون هدف زورقاً من دون بحّار 

مثل الطيور التي تنزلق على مدارج الهواء 

لا قيد يمسكني، أبحث عن الذين يشبهونني 

أجد نفسي بين أشرار. 

 

_ 4 _ 

وقارُ القلب النبيل صعب 

المرَحُ أحبّ عندي من العسل 

تنفيذ أوامر "فينوس" عمل يسير  

لا تقطن "فينوس" في قلوبٍ وضيعة.  

 

_ 5 _ 

أمشي في الطريق العريض شابّاً يرتكب الذنوب 

لا أفكِّر بالفضائل، طمّاع لذّة أكثر منّي طمّاع خلاص 

وروحي ميْت، فيما أترفّق بجلدي. 

 

_ 6 _ 

أيّها الأسقف الحكيم أرجوك تسامحْ معي 

لا أريد موتاً مريحاً، الموتُ المريح يقتلني 

أريد موتاً قاسياً، قلبي يُسيئ للفتيات الجميلات  

أعاشرهنّ بقلبي أولئك اللواتي لا أستطيع أن أعاشرهنّ بجسدي. 

 

_ 7 _ 

التغلّب على الشهوةِ الطبيعيّة صعب  

الأصعب أن تظلّ، في آن، مشاعرنا نقيّة 

نحن الشباب، عندما ننظر إلى الصبايا 

يشقّ علينا التقيّد بالتعاليم الصارمة 

نترك الأجسامَ اللدنة ولا نكترث؟. 

 

_ 8 _ 

من ذا الذي يقف في النار ولا يحترق؟ 

من ذا الذي يقدر أن يظلّ طاهراً إذا هو 

يعيش في مدينة "بافيا"؟    

"فينوس" صيّادة الفتيان بإصبعها 

تغريهم بنظرة، للوقوع في حبائلها  

ويُحيلهم وجهها إلى طرائد. 

 

_ 9 _ 

إذا أتيتَ بالحصان، هذا اليوم، إلى مدينة "بافيا"  

لن يكون في الغد حصان. الدروب كلّها إلى مخدع "فينوس"   

ليس تحت كلّ هذه الأبراج برج واحد للفضيلة.

  

_ 10 _ 

يُبعِدون المرآة عن وجهي 

أتبخّرُ إذا سمحتِ لي أن أداعب الجسد العاري 

على رغم الصقيع في الخارج 

أجترح أعجب القصائد والأناشيد.

  

_ 11 _ 

مكاني المفضّل هو الحانة 

لم أرفض الحانة بالأمس ولن أرفضها غداً 

إلاّ عندما أرى الملائكة مقبلين 

مترنّمين للموتى بنشيد الموت: 

"استرحْ، استرحْ بسلام". 

 

_ 12 _ 

الأشهى أن أموت في حانة 

لكي، وأنا ميت، يكون قريباً من النبيذ فمي 

تغنّي الملائكة بكلّ فرح: "إرحم يا ربّ شاربي الخمر".

  

_ 13 _ 

من كأس نبيذ يسطع نور العقل 

يحلِّق القلبُ عالياً بقدر ما يتذوّق النبيذ في الحانة 

أعذب من نبيذ الأسقف المخلوطِ بالماء.


_ 14 _ 

الشعراء يتجنّبون الأماكن المكتظّة 

يُفضِّلون العزلة، يُرهقون أنفسهم، يقهرون ذواتهم 

يعملون كثيراً، يسهرون الليالي 

وفي آخر المطاف لا قدرة لهم على إنجاز عمل 

حقيقي، واحد، نبيل. 

 

_ 15 _ 

يصومون، يعذّبون أنفسهم 

يبتعدون عن مهاترات الشعب 

وفوضى الأسواق 

يموتون، جماعة الشعراء 

من عناء تحت نير العمل. 


_ 16 _ 

كلّ شخص  

تهبه الطبيعة هبة مخصوصة 

وهبتني ألاّ أقدر، وأنا صاحٍ، أن أكتب 

أيّ فتى سيتفوّق عليّ وأنا صاحٍ 

إنّي أكره الظمأ والجوع بمقدار ما أكره الموت. 

 

_ 17 _ 

كلّ شخص 

تهبه الطبيعة هبة مخصوصة 

وهبتني أن أكتب الشعر وأنا أشرب النبيذ الجيِّد 

أُفرِغ ما في براميلِ صاحبِ الحانة 

النبيذ يهب الكلمات امتلاءً تامّاً. 


_ 18 _ 

قصائدي من نوع النبيذ الذي أشرب 

لا أقدر على عمل شيء إلاّ إذا كنتُ قد أكلت 

لا قيمة البتّة لأشعاري صاحياً 

بعد أن أشرب أتفوّق على "أوفيد" بالشِعر. 

 

_ 19 _ 

عقلُ الشعر لن أُمنحْهُ 

إذا لم يكن شبعاناً بطني 

فقط عندما أكون شبعاناً 

يأتي إليّ "فوبوس"  

صادحاً بأشياء عجيبة. 

 

_ 20 _ 

أنا متّهم بخيانة مساوئي 

التي يتّهمني بها خدّامك يا ربّ  

الذين، في آن، ولا واحد منهم يتّهم ذاته 

أنظرْ إليهم، إنّهم كذلك يمرحون، ويطلبون متعَ الحياة. 

 

_ 21 _ 

بحضور موجّهي الروحي 

وبالإستناد إلى أحكام الناموس الربّاني 

الذي يقذفني بحجر  

لا رأفة بالشاعر الذي قلبه لم يعرف خطيئة. 

 

_ 22 _ 

نطقتُ بما يُدينني 

بكلّ ما أعرف عن نفسي 

تقيّأتُ السمّ الذي احتملتُه من زمان 

مللتُ حياتي القديمة 

يُغريني الجديد، يُغريني التبدّل 

الجديد والتبدّل يقولان لي: 

الوجه يراه الإنسان 

القلب لا يفتح إلاّ لله. 


_ 23 _ 

الفضائل 

صرتُ أحبّها 

وصرتُ أكره المعاصي  

عقلي يولد من جديد بقلبٍ جديد 

مثل رضيع أتغذّى من جديد على الحليب 

كي لا يبقى قلبي يأسره الغرور. 

 

_ 24 _ 

أيّها الأسقف المصطفى من "كولن"  

لا تعاقبْ من يندم، إجعلْ رحمتك على من يرجو المغفرة 

لا تعاقبْ من يعترف بالذنب 

أيّها الأسقف المصطفى من "كولن"  

إنّي أتقبّل راضياً جميعَ أوامرك. 

 

_ 25 _ 

وإذا انتفى الرفق 

فالأمر سيكون شديد المرارة. 


_ من مجموعة كارمينا بورانا _ أغاني بويرن _ لاتينيّة _ القرن الثالث عشر. مواضيعها تتنوّع بين الحبّ وأغاني السكارى والدين والحكمة والعاطفة الماجنة، جمعها وترجمها الشاعر الألماني يوهان أندرياس شميلر وطبعها في سنة 1847 ولحّنها الموسيقي كارل أورف في عام 1937 _ الترجمة العربيّة بالأصل للأديب شاكر مطلق، مع مساهمة منّي في المتابعة والتوزيع. عثرت على الأوراق أخيراً في صندوق مهمل تحت صناديق في مكتبي، وكأنّها  تريد أن ترى النور أيضاً. 

_ الرسم للفنّان التشكيلي محمّد خالد. 

Shawki1@optusnet.com.au