عابر يواريه الضباب



"العقلُ الغائب   
لا يرى الفكرةَ الحاضرة".
(الصادق النيهوم)  
***


(1)
إشارةٌ واضحة 
مباشِرةٌ، صريحة   
لا يرقى إليها الشكّ 
حين ترى الجرذانَ تتكاثر    
في الطوابق العليا 
إذّاك لا حيلةَ بعدُ 
وهم كأنّهم بعدُ أبداً 
لم ولن يتّعِظوا. 
**

وأقلّه 
أن تتحرّى نتاجَ عقله 
لا شيءَ بذاته أو لذاته  
الكلُّ: اتّصالٌ – افتراقٌ 
سلسلةٌ تعودُ إلى قبضة لا شيئ  

الإنسانُ، القردُ، الغوريللا 
الأسدُ، الفهدُ، النمِرُ  
الباشقُ، الصقرُ، النسرُ  
الكلبُ، الذئبُ، الثعلبُ 
الأشجارُ، الورودُ، الزهور  
وعليكَ ما دمتَ وحيداً 
أن تتّكئ على الضباب 
شجاعاً.  
**

يتقدّمُ إلى الختامِ 
باندفاعِ سيل  
يا للغرابةِ 
لديه وقتٌ أيضاً 
وهو في الطريق  
ليُدمِّرَ هنا 
ويُشعلَ حرائقَ هناك  
أن يَقتلَ طعناً 
صلباً، شنقاً  
وطبعاً يستهين 
ـ المختلُّ يَشمُّ المختلَّ 
من مسافةِ ميل ـ  
يمتلكُ الآلةَ والرقاب  
الإمتلاكُ مقبضٌ 
الآلةُ سيف  
الرقابُ 
هي الرقاب  

يلفُّ ويدور 
كأنّما إلى الأبد    
وبالصوتِ وبالصورة  
الواقعُ حقّاً أغرب من الخيال 
يكذب، يسرق، يستكبر 
يستحمِق 
وينطفئُ اشتعالاً. 
**

الظَنُّ يفترقُ  
يَحسُنُ أو يسوء  
بحسبِ درجةِ الحرارة  

كان يتذكّر، وكان يحتمل  
الحقيقة ما أسهل 
أن تراها في الشارع  
وكلّما يفتكرُ أنّه 
خرافة  
  
أولئك الشجعان 
وفيما الباخرة "تيتانك" 
تغرق  
وقفوا في حلقةٍ 
وعزفوا الموسيقى  
تلك العجوز ركعتْ 
احتضنتْ جذعَ زيتونة   
وامتلأتْ عيناها بالدموعِ الصامتة. 
**

أنينٌ، قعقعةُ سيوفٍ 
فحيحٌ، سجيرُ نار  
وقيل: "لم يُقتن الكلبُ لذاته 
بل لنباحه"  
"إذا سمعتم صياحَ الديك 
استبشروا ملْكاً طيِّباً" 
"إذا سمعتم نهيقَ حمار 
تعوّذوا بالرحمان  
رأى الحمارُ 
شيطاناً"  

وقيل أنّ بوش الإبن قال: 
هي قراراتٌ صائبة اتّخذتُها في الماضي  
وقراراتٌ صائبة "اتّخذتُها" في المستقبل     
وقيل بحق أنّ رئيس أميركا 
لا يجيدُ تصريفَ الأفعال  
ولذلك الماضي والمستقبل 
لهما فعلٌ واحد   

وإذا الليلُ انتصف 
"جلسَ تيمورلنك 
على عرشِه 
شبيه العتل أو البرميل 
بطانتُه جالسون حوله 
أبصارُهم إليه شاخصة 
آذانُهم لصوته مرهفة 
ألسنتُهم تدور 
بتسابيح الحمد لذاته 
والثناءِ على خصالِه العظيمة"  

وهم في عبثٍ 
"سألَ واحدٌ زميلَه 
أن يفيدَه عن مذهبِه"  
وقفَ وقالَ وهو ينحني 
ويشير في آن 
إلى تيمورلنك: 
"تيمورلنك 
هو مذهبي ومعتقدي"    

وقيل: "نُزعتِ الحميّةُ منهم 
وهنتْ فيهم همّتُهم  
انطفأتْ آخِرُ شعلةِ غيرتِهم 
وأمسوا بلا وفاقٍ 
ولا اتّفاق" 

و"أخذَ كلُّ واحدٍ 
يكيل في وصفِ تيمورلنك 
والثناء عليه 
حتى رفعوه 
إلى مرتبةِ المخلوقِ 
العجيب". 

 (2)
عقولُ النخبةِ أفقُ الجماعة  
مِن هذه النخبةِ باطن 
يختلفُ عن الظاهر  
خذْ حذرك 
يقول أنّه يعرف 
سمِعَ  
ولو عقلَ لاختجل 
وتوارى عن الأنظار 
لئلاّ تحاصره عيونٌ ماكرة 

القطيعُ لا يدري 
إلى أين يأخذُه الراعي  
يأخذُه إلى المرعى الخصيب 
أم إلى المسلخِ الرهيب؟  

وصلَ أحدُ الساديين 
داعساً على الرقاب 
إلى رأسِ السلطة.    
**

نداءٌ في بريّة 
صراخُ مَنْ فقدَ عقلَه 
ومغدورٌ به 
عائمٌ  في بحرِ دمِه 

ذهابٌ وإياب 
ولا ذهاب ولا إياب 

دورانٌ 
وليلٌ موحِشٌ 
كلّما ينقَضُّ 
على مَنْ كلّما 
ينقطع 
حتى ولو هو 
في قلبِ قلبِه 

وكلّما يتّصل 
بالألمِ والأسف   

وهناكَ مَن اعتقادُه 
أنّه من الفرقةِ الوحيدةِ الناجية. 

(3)
وكانت يدُه تهوي 
حتى أخيراً هو 
رماد..   
إدراكي قليلٌ 
المسألةُ ماكرةٌ  
والعقلُ 
لا يطمئنّ. 
**

لمّا لا يشاءُ أن يمشي 
يمشي بمشيئاتٍ هي فيه  
بقوّةٍ يصيبُها الجنون 
بقانونٍ سيّدٍ، مستبدٍّ، طبيعيٍّ  
كأنّ الطريقَ جبهاتٌ متقاتلة  
بيتُ الطاعةِ 
مشرّعٌ على الجريمةِ النكراء  
ومَن عقلُه يقرضُ كأنّه فأر 
بأصلِ عقلِه  
النائمُ المستريحُ على حريرِ الوهم  
مَن يقرضُ فيه فيروسُ الطائفيّة  
ما كان له أن يغادرَ المصحَّ العقليّ  
ما كان له أن ينخرَ في جسمِ الطريق  
مِن دون محاولة جدّيّة لردعِه  
آه لو لم تكن الإدارةُ وزبانيتُها الدكاترة 
المهووسون بالمال   

الإستدلالُ بوقائع أصيلة 
لا بوقائع وكيلة أو مأفونة. 
**

كلُّ حوار له سقف  
المعضلةُ حلُّها ممكن  
منهم من يقول بلا حلّ  
أو بإحتسابِ وقتٍ آخَر 
من طريقٍ آخَر. 
**

احرصْ 
إذا أنتَ معارض 
ألاّ تبدو لعيونٍ متَّهَماً 
أو مشبوهاً. 
**

الرزّاقُ 
هو 
ولكنَّهُ لا يحفّزُ الجائعَ 
على الموتِ جوعاً  
إلاّ إذا كان لديك معطيات مختلفة 
حولَ الإذلالِ اللانهائي. 
**

يُمعنُ النظرَ 
كيف أنّ هذا المجرَّحَ  
بكلِّ أنحائه  
هو بالأصلِ 
عين البُنى الفوقيّة 
المتجسِّدة  
وعينُ نتاجِ عصابةٍ 
تنتحلُ صفةَ الدولة. 
**

المثقّفُ منارة 
أو هذا ما يأملُه 
الراسخون 
بالطيبة. 
**

عابرٌ 
يواريه الضباب. 

(4)
راعي غنم 
يقولُ أنّ أكثر ما يسرُّه  
أن يسمعَ عظيمَ نباحِ كلبِه. 
**

حسُنَت 
نيّةُ الكلب 
اطمأنَّ سيّدُه. 
**

كلّما حسُنتْ نيّةُ الكلبِ أكثر اطمأنّ سيّدُه أكثر. 
**

اتّسعَ القلبُ ـ اتّسعَ العقلُ   
اتّسعَ جذبُ محورِ الإنسانيّةِ الأعظم. 
**

رحلةٌ  
لا يُؤتمَن شرُّها 
ولا خيرُها. 
**

"ما من شكّ أنّ تيمورلنك 
كان بطلاً بالكباش  
لكنّه كان فاسداً في رأسِه  
حصانتُه من ذاتِه 
لا يأتيه الباطلُ 
مُطلَقُ اليد 
فوقَ القانون، فوقَ إرادةِ الناس  
ويُقال في هذه الكارثة 
أنّها ذرّتْ قرنيها 
في عصرِ الجاهليّةِ الأوروبيّة   
لو يمكننا معاً 
أن نتخيّل معتوهاً 
يقول أنّه ممثّل السماء 
في الأرض  
وأنّ صلاحيّاته 
فوق العقل والقانون  
تخيّلوا كيف هذا المعتوه 
سيتصرّف بمملكتِه 
أو بمزرعتِه"؟. 
**

تحملُ يدَك 
من مكان إلى آخر  
تُحْيي هنا، تُميت هناك  

يدٌ تشرقط، يدٌ رماد  
يدٌ تصنع، يدٌ لا تخلّف إلاّ الرماد  
يدٌ آملة ويدٌ خامدة 

وفي عينيكَ فأر 
وفي عينيك أسد  
وفي قلبكَ خريف   

من هنا إلى هناك 
ومن هناك إلى هنا.  
**

ما من شكّ 
أنّ الرأسَ معزولٌ 
في عمقِ مغارةٍ  
يتقلّبُ فيها 
مع العقاربِ والأفاعي.  
**

اسحبْهم مِن دماغِك 
لا تربطنّك صلةٌ بهم 
المستقبلُ كثيراً مشبوه 
أحدُهم لا يطلبُ سوى امتطاء الخازوق  
وجماعتُه لا تريدُ أن تكون إلاّ هي التي تتألّم  
واحدٌ يقرِّرُ أن يكون لصّاً  
وجماعتُه تبعثُ له أبناءَها ليغامرَ بهم  
أو جماعةٌ تعرفُ أنّها تغامرُ بأولادِها 
لئلاّ تغامر بطموحِ اللصِّ وحصّتِها منه  
واحدٌ لا رأسَ له، لا رأسَ معه، لا رأسَ فيه  
وزحفاً على البطون تتبعُه جماعةٌ سفيهة 
لا تتحرّى، وتصفِّق. 
**

"الواثقُ 
نافياً أن يكون أحدٌ 
يعلمُ كلَّ شيء  
وقد يكون بيننا مَنْ عنده أجوبة  
ولكنّه أيضاً ربّما هو مخطئ". 
**

ليس لدى الفيزياء بعدُ وقت 
لكي تهدرَه على الميتافيزيق. 
**

"حفّارو الخنادق 
نحن الضحايا 
نحبُّ الحياةَ 
ونعبِّر عن هذا الحبّ 
رقصاً 
في جنازاتِنا". 
**

وليلٌ مخنوقٌ 
بالخداعِ والوشايات. 

(5)
لصٌّ 
يحلقُ ذقنَه  
ويُركِّبُ  
لحيةَ صنَم. 
**

"كفى" 
أوانُها يوميّاً. 
**

شمسُنا 
لا تشرق ولا تغرب  
نحن ندور حولها 
وعوض أن ندخل 
ها نحن أيضاً نخرج. 
**

لا تطلبْ 
من مستباح 
أن يلقي السلاح. 
**

ومَن كأنّه يدرك منذ البدء كلَّ شيء  
ومَن كأنّه لا يريدُ أن يدركَ منذ البدءِ شيئا 
ومَن كأنّه منذ البدء يتهاوى وهو يسمعُها تقول:   
"أنتَ أيضاً يا شوقي شاهر علي محمّد أسعد مسلماني  
الكونيني، العاملي، اللبناني، العربي، الأسترالي، الأممي   
أسوأ السيئين الذين قتلوني مراراً".  
**

"عاجزون عن إثباتِ ما يقولون  
لذلك تراهم يتكدّسون بسحْرِ البيان".   
**

"قلْها من دون أن تشبه أحداً  
كنْ ذاتك متفرِّداً في لعبةِ الحياة". 
**

"إحتملْ أعباءَ عزلتِك  
لا تتشدّدْ على مَن هم وراءك  
لا تُثقِلْ بشكواك، لا تروّعْهم بجرأتِك 
اتّصلْ معهم بالحبِّ فقط". 
**

"لا يملكُ القدرةَ 
على الوقوف بوجه عجزِه  
يحشرُ جسدَ المرأةِ بالجسدِ المثير  
ببيتِ الغوايةِ ومهدِ الفاحشة  
دون الجسدِ الجميل أو الجسدِ الرشيق  
أو الأمومي 
هل هذه فوبيا الجسد؟  

التأثيمُ، التحريمُ، التجريمُ    
حتى أخيراً جسدها كلّه: "عورة". 
**

يرسب في امتحانِ الرجولة 
من يرسب في امتحانِ الأنوثة  
"لا تلقيح من دون نحل 
لا نبات من دون تلقيح  
لا حيوان من دون نبات 
لا إنسان من دون الكلّ  
 60 مليون شجرة لوز 
في وادي اللوز 
لئلاّ نقول هناك كارثة  
نحن بحاجة إلى 80 مليار نحلة سنويّاً"  
الإدراكُ المتأخّرُ في الهاوية 
الإدراكُ يعني السيطرة  
"أنا لا أستطيع أن أنظر إلى بلدي 
بمعزلٍ عن البلدانِ المجاورة   
لا أستطيع أن أرى المنطقةَ 
بمعزلٍ عن العالم  
افهموني  من وجهةِ نظري 
من خلالِ إدراكي لثقافتي  
إذا أرادوا أن يفهموني من خلال صفتي 
يتحتّم أن يفهموا من أنا أمثِّل  
من يطلبُ ودَّ عائلةٍ  
لا يتحدّثُ إلى أفرادِها كلاًّ على حدة".  
**

من يبدأُ بالظهورِ غير نادم 
على طائفيّته أو عنصريّته  
لا يقولُ غير أنّه جاهز 
لاستئنافِ عمليّاتِ الكرِّ والفرِّ  
بعدما اتّصلَ بما وبمَن 
انقطعَ عنه أو منه. 
**

"الناسُ 
لا يكرهون بعضَهم 
الناسُ 
يحتاجون بعضَهم". 

(6)
ومِنَ الحكمةِ، ومِنَ السهوِ
ومِنْ سطوحِ الحَمَامِ  
ومِنْ كلِّ جهةٍ في كلِّ جهة  
ومِنْ هديرِ البحرِ  
ومِنْ سكوتٍ أطناناً لا تُحصى   
ومِنْ سياجاتٍ، أو جدران. 


Shawki1@optusnet.com.au 
ـ "كلّ ما بين مزدوجين منقول وغالباً بتصرّف".  
ـ صدرت كاملة في مجلّة الطريق الفصليّة اللبنانيّة. 
ـ الغلاف بورتريه للمؤلّف بريشة الفنّان التجريدي محمّد خالد.