حصار الدائرة



(على سرير) 
دخّن معي سيجارة 
أيّها الغريب المتثائب 
على العمر الضائع 

نادمني 
كي أنسى هبوبَ الريح 
على الأثر في صحراء  

تعال 
نمشي معاً 
الليلة فقط  
ثمّ إرحلْ  

أنظر 
كم يشبهنا الشجر 
الذي ماذا يفقه؟ 

كم تشبهنا القطط  

كم نحن 
غير موجودين 
مثل الطيور 
التي كانت هنا 
هذا الصباح 
واختفت   

معك يا صديقي 
عزاء للعينين المعلّقتين 
في المرآة 
للأنف المائل 
للرأس التي تسنّدها كفٌّ 
على سرير. 

(عراة) 
قفْ 
على رأس جبل 
وتعرّ 
مثل كلّ يوم 
منذ الإجتياح 
 
القمصان ممزّقة 
جلدك يلاطم خجولاً 
ريحاً، برداً 
وانتقاماً لا يوصف 
 
ليس 
غير حانات الليل 
تستر المكسور 
على شفرة سكّين  

إلى أين 
من يفقد الزمان والمكان 
ويستحيل بالوناً في الهواء؟  
  
أين 
يرسي مرساته  
البحر ابتلع المركب 
والميناء.  

(Spa) 
ماء حارٌّ على جسد 
وفي الطريق إليها يتساقط 
عمرٌ مثل غابة "يوكولبتوس" تحترق 
 
للذكريات 
طعم مالح على جدران 
ترشح انكسارات 
أحاول التخلّص منها 
تباعاً 
على صفحة بحرٍ هائج 
في بركة 
 
دعنا 
نقل شيئاً 
عن نقطة 
معلّقة في الهواء 

دعنا 
نقل عن محيط 
بأي معنى 
بين أوّل اليابسة 
وحدود السماء؟  

لنسأل مطراً 
يزدحم على صحراء   
ماذا يفعل غير أنّه يسخر 
من عطش الروح  
التي تريد ولا تريد 
في هذه العتمة  

دعنا نبحث عن جذور 
تتنشّق الرطوبة لكي تستمرّ 
 
هذا عبثٌ 
أن نكشط في بركة Spa 
جلداً متّهماً بالسؤال 
عن لونه وخطوط البصمات؟. 

(المساء الأخير) 
 لا يهمّ 
في أية ليلة حدث 

ضيّع عينيه 
وانحنى يفتّش بين الشوك 

الآن 
هو على ركبتيه 
فكَّرَ بالآتي، المدى مظلم 
رماد بركانٍ 
يجمع الأرض والسماء 
نفطٌ تمطره على الأرض سماء 
كلُّ الأحزان مصوّبة إلى قلبه 

يفتّش 
بين الحصى 
عن أثر لقدميه 

لا يهمّ 
لا يهمّ في أيّة ليلة حدث 
 
تهشّمت مرآته نثراً 
ضاع وجهه بين النثر 

ما لون البشرة، الشعر 
حجم الأنف، شكل زوايا العينين؟ 
 
يستشعر 
شجراً غريباً في داخله 
جذوراً تستقي من خوفه 
نملاً يدبّ في العروق بكاءً صامتاً  

لا يهمّ 
في أيّة ليلة حدث 
 
الآن 
هو مشغول 
عن أسئلتهم بمأتمه 
وعن أسمائهم بالنجاة. 

(الضحيّة) 
 يتّكئ 
إلى دكّة عمره 
يحاول أن يقرأ سطراً 
من ماضٍ 
يرفع يداً بين ركام 
يرفع يداً بين أمواج 
  
أوّل أمس 
أشرقت الشمس 
كان شابّاً 
يعبر إلى حديقة 
وكانت شاحنة 
تفرّ 
من بركة دمه. 

(Comprador)    
تطفح المنافضُ 
بأعقاب السجائر 
يتشابك الدخان 
سحابةً كاذبة    
 
صفير 
قطار كلمات 
على النيكوتين 
يخرج من أفواهنا 
أو خرقاً من أفواهنا 
على خشبات مسرح الهزل 

صوت 
قطار كلمات 
تجترّ خطط السلم والحرب 
لجماعة Comprador 
يمضي آخر الليل 
إلى صدر "جوان كولينز" 
واليافطة: 
"لا شرقيّة ولا غربيّة" 
  
يتلاشى القطار 
إذا استيقظت أمّي ونبّهتني 
بعينيها. 

(خرافة) 
مطارق وصنوج 
في احتفال الخرافة 
سجائر، قلق 
ساعة معطّلة 
ألمٌ في العينين..    
أرقٌ يحفر عميقاً 
كأنّما ليقيم إلى الأبد 
بين الحلم وبين الجنون. 

(رجعُ الصدى) 
يغلقُ المكانُ بابَه  
تتلاشى النوافذ، الجدران دائريّة  

صدى رجْع صدى 
 
من يرفع رأسه يستغيث 
من يتصدّع بالمجهول على رحيل 
من لا طريق لقدميه لا مدى لعينيه 
لا بحر في العالم الغريق 
 
يا صديقي 
أدعوك هذا المساء 
إلى مائدتي 
فوق رمال متحرّكة. 

(هو والشجرة)  
يطير غراب 
فوق ذاك الخراب 
تخرج الجرذان 
إلى جذع شجرة 
تنتظر برقاً ورعداً 
لا يأتيان 

ينسدل الليل 
وليس غير وحيد 
ينتظر عاصفةً  
ومشهداً أخيراً. 

(أشياء يوميّة) 
نتصفّح وجوهنا للتعزية 
نعاود سيرتنا في اليوم التالي 
 
هل تدري؟ جِمالٌ تترنّح 
 
نافذتي ـ 
حصان يتوسّل عابراً 
لو يطلق عليه رحمة 

هل تدري؟ طنينٌ كلُّ المكان 

أرى أشياء غريبة 
الناس يتابعون أعمالهم كالمعتاد 

ترعبني 
خزانة الليل 
على مصراعيها..   
وعلى الطاولة كتاب 
عن الجنازة المقيمة أبداً. 

(الماء) 
يحصي أعوامه 
كما يُحصي ضواحي سيدني 
بحياد تامّ  

عندما 
يتشابه الناس 
مثل أشجار غابة 
 
تمرّ الأعياد 
دون أي موعد معه 
 
يألف عينيه في بعيد  
يألف يده يتصاعد منها دخان 
 
ولا يعرف، بعدُ، كيف يبتسم 
جذوره في الهواء 

عندما يعيد إليه توازنه الماء.  

(إلى الرقبة) 
دنيا بلا رصيف 
شاحنات تجتاح المدن 
مثل عاصفة 
ويقول المفجوء بالحديد:  
الإسفلت يرتفع 
إلى الرقبة. 

(شارع) 
 أيضاً 
الشارع يغرق 
في عتمة 

الأضواء شاحبة  

أوراق شجر 
على الأرض 
 
المقعد 
ينتظر باصاً أخيراً 
مضى 

إمرأة تخرج 
تداري ساقيها 

قرب حائط عطِن 
يرقد عجوز 
وجدوا هيكلاً عظميّاً يشبهه 
عمره 60 ألف سنة  

فتيان يمرّون أيضاً في الشارع 
زجاجات بيرة، سجائر ماريجوانا 
واجهة زجاجيّة تنهار 

سكران 
سترة بالية 
وبنطال من دون سحّاب. 

(انظري في عيني) 
على الوجه 
ابتسامة ذكيّة، ناعمة 
 
ماذا يجري هنا؟ 

رائحة في بيت 
هواء بحرِ "الزيتونة" في بيروت 
تزاحمُ الناس في أسواق البلد، عتّالو سَلّ 
سيّارات مرسيدس ـ 180 

معقول؟ 

والتقينا 
في التيه 

تعالي لا نعتذر 
انظري في عيني. 

(في الحديقة العامّة) 
لم تكن هناك   
قال هي في حديقة 
حيث يتفتّح وردٌ أزرق 
بركة ماء 
طبق ورد مائي كبير 
 
النسيم 
لم يداعب صفحة وجهه 
المتناثر على المقاعد الشاغرة 
 
كان أناس 
يتنزّهون بين الشجر 
الصامت مثل غباء 

كان يريد 
أن يقول لكِ  
أنتِ بعيدة وتأتين 
من وراء بحر 
من عين نجمة 
 
تجتاحين الذاكرة 
عندما أسند ظهره 
إلى شجرة 
 
ذرف دمعة 
قبل أن ينهمر المطر 
ويظلّ وحيداً 
في حديقة عامّة. 

(إبقي بعيداً) 
تناوبي  
على الذاكرة 
مثل موج البحر 
وابقي بعيداً 
في قفر المسافة 
كان يحلم 
بعينينك الواسعتين 
بحيرتين..  
فاجأه الليل 
الراية تسقط 
عن آخر معقل 
في بياض قلبه 
إبرة الزمن 
تخيط تجاعيد 
لوجهه 
والثلج يتراكم. 

(الإنتظار) 
أتساءل 
عندما لا يبقى 
لقلبي 
غير ذكرى طفل 
في الطابق الثاني 
يبكي 
ماذا يفعل البحر 
عندما يغادر النورس 
عندما تنطفئ أضواء السفن 
ولا يظلّ عند الشاطئ 
غير رمال، رمال 
قناديل البحر 
وأعشاب مطفأة..   
كيف يمضي 
في أجنحة الخافيش؟ 
   
أتساءل 
ماذا يبقى 
لعيني 
إذا عطش الشوق 
إليها  
وجاء الإنتظار؟. 

(يكفي) 
يكفي 
أن تكوني معي  
لأرمي حطب السنين..    
بقوّة الدفع هو 
في أقصى الأرض 
وفي أذنيه 
طنين  

أن تبتسمي، أن تخطري 
لأجعل عينيّ ميّال شمس لعينيك 
وفمي أوبرا غناء. 

(الجدار) 
على غفلة 
من أوّل يقظة الغريق 
قبل أن يفتح عينيه للجدار 
لأوّل عابر أحمالُ غربته. 

(اليوم) 
بين الفراغ والمشاجرات 
القلب يذوي على نعش صباح 
الروح تنقصف 
تبحث عن محرقة هي فيها..  
اليوم قتيل 
الطفل وحده عند رصيف   

تغطّ 
على كتفه 
فراشة 
وينسل خيط دمع. 

(القابع هناك) 
يفكّر 
أنّ العالم مجنون 
على ظلّه 
يقع  
لا شيئ بعدُ ليفتقده..  
القابع هناك. 

(ليس غير النفط) 
 مِن كلّ شيئ 
ليس بعدُ سوى ذكرى 
تلوّح في المدى الخراب 
 
السنوات 
أكاذيب أو سراب 
ركضٌ، زحفٌ، صراخ 

عطش ـ لا ماء 

النفط 
وحده يقول ويشاء 

نحن 
والمدى الصخري 
نكتب رماداً وننادي صدى 
نأمل ومحال 
النفط وحده إذا قال قال 

يا حبيبتي 
النهار رصاص  
الدمع 
نزيف نار 

معاً 
نغرق في وحشة 
نضيع في الطريق 
نقصّر في الحلم 
الذي كان ربيعاً 
 
ليس بعدُ سوى خيال 
لم يبق سوى النفط ورمال 
تزحف الرمال، يخنقنا السعال  

العصافير تموت، يبكيها الشجر 
  
يا يومَ أهديتكِ وردة 
كان القمر، كانت السماء 
كان الياسمين، العطر المباح، النجوم 
كان المرج فسيحاً للغزلان 
التي نطلقها من أكفّنا 

لم يعد 
في المدى ـ القحط 
غير النفط يسوق الليلَ 
يمشي على أحلام الورد 
 
اسبقيني 
لنغلق الأبواب 
المكان يباب 
الضجيج من محرّكات  
يزيد في الأصفاد 

لم تبق 
على شجر الروح 
أوراق 

ماتت الألوان 
مَن للعاري في الزمن العاري 
من للأخضر في الزمان الموات 
ومن للقلب في زحمة الأظافر؟ 
  
ليس 
غير النفط 
يرقص 

ليس 
غير النفط 
يفرح 

ليس 
غير النفط  
غناء 
    
الآن 
الفارس
 يقفل عائداً 
مِن طريق 
لم يعثر عليها 
مهشّم الراية 
الوجه، اليدين 
 
ويرفع ظهره 
على رغم آلاف الأسئلة 
  
كلُّ الجهات جهاته 
وبيته يضيع في الجهات 
  
كلّ الأسماء هو 
وتتلاشى كلّ الأسماء 

يخونه صوته، يحتقن الغضب 
 
الذي في السماء 
الذي يضجّ في الفراغ 

لا طريق 
الكلّ غريق 
  
العالم، حدائقه 
ناطحات السحاب 
 
ليس 
غير النفط 
صواب 
 
وليس 
غير النفط 
كتاب. 
\

ـ أوراق كُتبت سنة 1986، وصدرت عن "راليا برس" ـ سيدني ـ 1992 
Shawki1@optusnet.com.au